الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
قوله: {ياويلنا} العامَّةُ على الإِضافةِ إلى ضمير المتكلمين دون تأنيثٍ. وهو وَيْل مضافٌ لِما بعده. ونقل أبو البقاء عن الكوفيين أنَّ وَيْ كلمةٌ برأسِها. و لنا جارٌّ ومجرور. انتهى. ولا معنى لهذا إلاَّ بتأويلٍ بعيدٍ: هو أَنْ يكونَ يا عجبُ لنا؛ لأنَّ وي تُفَسَّرُ بمعنى اعجب منا. وابن أبي ليلى: {يا وَيْلتنا} بتاء التأنيث، وعنه أيضًا {يا ويْلتا} بإبدال الياءِ ألفًا. وتأويلُ هذه أنَّ كلَّ واحدٍ منهم يقول: يا ويلتي.والعامَّةُ على فتح ميم {مَنْ} و{بَعَثَنا} فعلًا ماضيًا خبرًا ل مَنْ الاستفهامية قبلَه. وابن عباس والضحاك، وأبو نهيك بكسر الميم على أنها حرفُ جر. و{بَعْثِنا} مصدرٌ مجرور ب مِنْ. ف مِنْ الأولى تتعلَّق بالوَيْل، والثانيةُ تتعلَّقُ بالبعث.والمَرْقَدُ يجوز أَنْ يكونَ مصدرًا أي: مِنْ رُقادِنا، وأن يكونَ مكانًا، وهو مفردٌ أُقيم مُقامَ الجمعِ. والأولُ أحسنُ؛ إذ المصدرُ يُفْرَدُ مطلقًا.قوله: {هَذَا مَا وَعَدَ} في {هذا} وجهان، أظهرهما: أنه مبتدأٌ وما بعده خبرُه. ويكونُ الوقفُ تامًا على قوله {مِنْ مَرْقَدِنا}. وهذه الجملةُ حينئذٍ فيها وجهان، أحدهما: أنها مستأنفة: إمَّا من قولِ اللَّهِ تعالى، أو مِنْ قولِ الملائكةِ. والثاني: أنها من كلام الكفارِ فتكون في محلِّ نصب بالقول. والثاني من الوجهين الأولين: {هذا} صفةٌ ل {مَرْقَدِنا} و{ما وَعَد} منقطعٌ عَمَّا قبله.ثم في ما وجهان، أحدُهما: أنها في محلِّ رفعٍ بالابتداء، والخبرُ مقدرٌ أي: الذي وَعَدَه الرحمنُ وصَدَقَ فيه المرسلون حَقٌّ عليكم. وإليه ذهب الزجَّاج والزمخشري. والثاني: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: هذا وَعْدُ الرحمن. وقد تقدَّم لك أولَ الكهف: أنَّ حَفْصًا يقف على {مَرْقَدنا} وَقْفةً لطيفةً دونَ قَطْعِ نَفَسٍ لئلا يُتَوَهَّمَ أنَّ اسمَ الإِشارةِ تابعٌ ل {مَرْقَدِنا}. وهذان الوجهان يُقَوِّيان ذلك المعنى المذكور الذي تَعَمَّد الوقفَ لأجلِه. و ما يَصِحُّ أَنْ تكونَ موصولةً اسميةً أو حرفيةً كما تقدَّم تقريرُه. ومفعولا الوعدِ والصدقِ محذوفان أي: وعَدَناه الرحمن وصَدَقَناه المرسلون. والأصل: صَدَقَنا فيه. ويجوز حَذْفُ الخافض وقد تقدَّم لك نحو صَدَقني سِنَّ بَكْرِهِ أي في سِنِّه. وتقدَّم قراءتا {صيحة واحدة} نصبًا ورفعًا.{فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (54)}.قوله: {فاليوم} منصوبٌ ب {لا تُظْلَمُ}. و{شيئًا} إمَّا مفعولٌ ثانٍ، وإمَّا مصدرٌ.{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)}.قوله: {فِي شُغُلٍ} يجوز أَنْ يكونَ خبرًا ل إنَّ و{فاكهون} خبرٌ ثانٍ، وأنْ يكون {فاكهون} هو الخبر، و{في شُغُلٍ} متعلِّقٌ به وأَنْ يكونَ حالًا. وقرأ الكوفيون وابنُ عامر بضمتين. والباقون بضمةٍ وسكونٍ، وهما لغتان للحجازيين، قاله الفراء. ومجاهد وأبو السَّمَّال بفتحتين. ويزيد النحوي وابن هُبَيْرَة بفتحةٍ وسكونٍ وهما لغتان أيضًا.والعامَّةُ على رفع {فاكِهون} على ما تقدَّم. والأعمش وطلحة {فاكهين} نصبًا على الحالِ، والجارُّ الخبرُ. والعامَّةُ أيضًا على {فاكهين} بالألف بمعنى: أصحاب فاكهة، ك لابنِ وتامرِ ولاحمِ، والحسَنُ وأبو جعفر وأبو حيوةَ وأبو رجاءٍ وشيبةُ وقتادةُ ومجاهدٌ {فَكِهون} بغيرِ ألفٍ بمعنى: طَرِبُوْن فَرِحون، من الفُكاهةِ بالضمِ. وقيل: الفاكهُ والفَكِهُ بمعنى المتلذِّذُ المتنعِّمُ؛ لأنَّ كلًا من الفاكهةِ والفُكاهةِ مِمَّا يُتَلَذَّذُ به ويُتَنَعَّمُ. وقُرئ {فَكِهيْن} بالقَصْرِ والياء على ما تَقَدَّمَ. و{فَكُهُوْن} بالقصرِ وضمِّ الكافِ. يُقال: رجلٌ فَكِهٌ وفَكُهٌ كَرَجُلٍ نَدِس ونَدُسٍ، وحَذِر وحَذُر.{هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)}.قوله: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ} يجوزُ في {هم} أَنْ يكونَ مؤكِّدًا للضميرِ المستكِنِّ في {فاكهون} و{أزواجُهم} عَطْفٌ على المستكنِّ. ويجوز أَنْ يكونَ تأكيدًا للضميرِ المستكنِّ في {شُغُل} إذا جَعَلْناه خبرًا. و{أزواجُهم} عَطْفٌ عليه أيضًا. كذا ذكره الشيخ. وفيه نظرٌ من حيث الفَصْلُ بين المُؤَكِّد والمؤكَّد بخبر إنَّ. ونظيرُه أن تقولَ: إن زيدًا في الدار قائمٌ هو وعمروٌ على أَنْ يُجْعَلَ هو تأكيدًا للضمير في قولك في الدار. وعلى هذين الوجهين يكون قولُه {متكِئون} خبرًا آخر ل إنَّ، و{في ظلال} متعلِّقٌ به أو حالٌ. و{على الأرائِك} متعلقٌ به. ويجوزُ أَنْ يكون {هم} مبتدًا و{متكئون} خبرَه، والجارَّانِ على ما تقدَّمَ. وجَوَّزَ أبو البقاءِ أَنْ يكونَ {في ظلالٍ} هو الخبرَ. قال: وعلى الأرائِكِ مستأنفٌ وهي عبارةٌ مُوْهِمَةٌ غيرَ الصوابِ. ويريد بذلك: أنَّ {متكئون} خبرُ مبتدأ مضمرٍ و{متكئون} مبتدأٌ مؤخرٌ إذ لا معنى له. وقرأ عبد الله {متكئين} نصبًا على الحال.وقرأ الأخَوان {في ظُلَلٍ} بضم الظاءِ والقصرِ، وهو جمع ظُلَّة نحو: غُرْفَة وغُرَف، وحُلَّة وحُلَل. وهي عبارةٌ عن الفُرُشِ والسُّتُور. والباقون بكسرِ الظاءِ والألفِ، جمعَ ظُلَّة أيضًا، كحُلَّة وحِلال، وبُرْمة وبِرام، أو جمعَ فِعْلة بالكسر، إذ يُقال: ظُلَّة وظِلَّة بالضمِّ والكسرِ فهو كلِقْحة ولِقاح، إلاَّ أنَّ فِعالًا لا ينقاس فيها، أو جمعَ فِعْل نحو: ذِئْب وذِئاب، وريْح ورِياح.{لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)}.قوله: {مَّا يَدَّعُونَ} في ما هذه ثلاثةُ أوجه: موصولةٌ اسميةٌ، نكرةٌ موصوفةٌ، والعائد على هذين محذوفٌ، مصدريةٌ. ويَدَّعُون مضارعُ ادَّعَى افْتَعَلَ مِنْ دعا يَدْعو. وأُشْرِبَ معنى التمني. قال أبو عبيدة: العربُ تقول: ادَّعِ عَلَيَّ ما شئت أي تَمَنَّ، وفلانٌ في خيرِ ما يَدَّعي، أي: ما يتمنى. وقال الزجاج: هو من الدعاء أي: ما يَدَّعُوْنه، أهلُ الجنة يأتيهم، مِنْ دَعَوْتُ غلامي. وقيل: افْتَعَل بمعنى تفاعَلَ. أي: ما يتداعَوْنه كقولهم: ارتَمَوْا وترامَوْا بمعنىً. و ما مبتدأةٌ. وفي خبرها وجهان، أحدهما: وهو الظاهر- أنَّه الجارُّ قبلَها. والثاني: أنه {سلامٌ}. أي: مُسَلَّمٌ خالِصٌ أو ذو سلامةٍ.{سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)}.قوله: {سَلاَمٌ} العامَّةُ على رفعِه. وفيه أوجهٌ، أحدها: ما تقدَّم مِنْ كونِه خبرَ {ما يَدَّعون}. الثاني: أنه بدلٌ منها، قاله الزمخشري. قال الشيخ: وإذا كان بدلًا كان {ما يَدَّعُون} خصوصًا، والظاهر أنَّه عمومٌ في كلِّ ما يَدَّعُونه. وإذا كان عمومًا لم يكن بدلًا منه. الثالث: أنه صفةٌ ل ما، وهذا إذا جَعَلْتَها نكرةً موصوفةً. أمَّا إذا جَعَلْتَها بمعنى الذي أو مصدريةً تَعَذَّر ذلك لتخالُفِهما تعريفًا وتنكيرًا. الرابع: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: هو سلامٌ. الخامس: أنه مبتدأٌ خبرُه الناصبُ ل {قَوْلًا} أي: سلامٌ يُقال لهم قولًا. وقيل: تقديرُه: سلامٌ عليكم. السادس: أنه مبتدأٌ، وخبرُه {مِنْ رَبٍ}. و{قولًا} مصدرٌ مؤكدٌ لمضمونِ الجملةِ، وهو مع عاملِه معترضٌ بين المبتدأ والخبر.وأُبَيٌّ وعبد الله وعيسى {سَلامًا} بالنصب. وفيه وجهان، أحدهما: أنه حالٌ. قال الزمخشري: أي: لهمْ مُرادُهُمْ خالصًا. والثاني: أنه مصدرُ يُسَلِّمون سلامًا: إمَّا من التحيةِ، وإمَّا من السَّلامة. و{قَوْلًا} إمَّا: مصدرٌ مؤكِّدٌ، وإمَّا منصوبٌ على الاختصاصِ. قال الزمخشري: وهو الأَوْجَهُ. و{مِنْ رَبٍّ} إمَّا صفةٌ ل {قَوْلًا} وإمَّا خبرُ {سَلامٌ} كما تقدَّم. وقرأ القَرَظِيُّ {سِلْمٌ} بالكسرِ والسكونِ. وتقدَّم الفرق بينهما في البقرة.{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)}.قوله: {وامتازوا} على إضمارِ قولٍ مقابلٍ لِما قيلَ للمؤمنين أي: ويُقال للمجرمين: امتازُوْا أي: انعَزِلوا، مِنْ مازه يَمِيزه.{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60)}.قوله: {أَعْهَدْ} العامَّةُ على فتحِ الهمزةِ على الأصلِ في حرفِ المضارعة. وطلحة والهذيل بن شرحَبيل الكوفي بكسرِها. وقد تقدَّم أنَّ ذلك لغةٌ في حرفِ المضارعةِ بشروطٍ ذُكرت في الفاتحة وثَمَّ حكايةٌ. وقرأ ابنُ وثَّاب {أَحَّدْ} بحاءٍ مشددةَ. قال الزمخشري: وهي لغةُ تميمٍ، ومنه دَحَّا مَحَّا أي: دَعْها معها، فقُلِبَتْ الهاءُ حاءً ثم العينُ حاءً، حين أُريد الإِدغامُ. والأحسنُ أَنْ يُقال: إنَّ العينَ أُبْدِلَتْ حاءً. وهي لغةُ هُذَيلٍ. فلمَّا أُدْغِم قُلب الثاني للأول، وهو عكسُ بابِ الإِدغامِ. وقد مضى تحقيقُه آخرَ آلِ عمران. وقال ابن خالويه: وابن وثاب والهذيل {أَلَمْ إعْهَدْ} بكسر الميم والهمزة وفتح الهاء، وهي على لغةِ مَنْ كسرَ أولَ المضارعِ سوى الياءِ. ورُوي عن ابنِ وثَّاب {اعْهِد} بكسرِ الهاءِ. يُقال: عَهِد وعَهَد انتهى. يعني بكسر الميم والهمزة أنَّ الأصلَ في هذه القراءةِ أَنْ يكونَ كسرَ حَرْفَ المضارعةِ ثم نَقَلَ حركتَه إلى الميمِ فكُسِرَتْ، لا أنَّ الكسرَ موجودٌ في الميمِ وفي الهمزةِ لفظًا، إذ يَلْزَمُ من ذلك قَطْعُ همزةِ الوصلِ وتحريكُ الميمِ مِنْ غيرِ سبب. وأمَّا كَسْرُ الهاءِ فلِما ذُكِرَ من أنه سُمِعَ في الماضي عَهَدَ بفتحها. وقولُه: سوى الياء وكذا قال الزمخشريُّ هو المشهورُ. وقد نُقِل عن بعضِ كَلْبٍ أنهم يَكْسِرون الياءَ فيقولون: يِعْلَمُ.وقال الزمخشري فيه: وقد جَوَّزَ الزجَّاجُ أن يكون من باب: نَعِمَ يَنْعِمُ، وضَرَب يَضْرِب يعني أنَّ تخريجَه على أحدِ وجهين: إمَّا الشذوذِ فيما اتَّحذ فيه فَعِل يَفْعِلُ بالكسر فيهما، كنَعِمَ يَنْعِمُ وحَسِب يَحْسِبُ وبَئِسَ يَبْئِسُ، وهي ألفاظٌ عَدَدْتُها في البقرة، وإمَّا أنه سُمِعَ في ماضيه الفتحُ كضَرَبَ، كما حكاه ابنُ خالَوَيْه. وحكى الزمخشري أنه قُرِئ: {أَحْهَدْ} بإبدالِ العينِ حاءً، وقد تقدَّم أنها لغةُ هُذَيْلٍ، وهذه تُقَوِّي أنَّ أصلَ أَحَّد: أَحْهَد فأُدْغِمَ كما تقدَّم.{وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)}.قوله: {جِبِلًا} قرأ نافعٌ وعاصمٌ بكسر الجيم والباء وتشديد اللام. وأبو عمروٍ وابن عامرٍ بضمةٍ وسكونٍ. والباقون بضمتين، واللامُ مخففةٌ في كلتيهما. وابنُ أبي إسحاق والزهري وابن هرمز بضمتين وتشديد اللام. والأعمش بكسرتين وتخفيفِ اللام. والأشهب العقيلي واليماني وحمادُ بن سلمة بكسرةٍ وسكون. وهذه لغاتٌ في هذه اللفظةِ. وقد تقدَّم معناها آخرَ الشعراء. وقُرِئ: {جِبَلًا} بكسر الجيم وفتح الباء، جمع جِبْلَة كفِطَر جمع فِطْرَة. وقرأ أمير المؤمنين عليٌّ {جِيْلًا} بالياء، مِنْ أسفلَ ثنتان، وهي واضحةٌ.وقرأ العامة: {أفلَمْ تكونوا} خطابًا لبني آدم. وطلحة وعيسى بياءِ الغَيْبة. والضمير للجِبِلِّ. ومِنْ حَقِّهما أن يَقْرآ {التي كانوا يُوعَدُونَ} لولا أَنْ يَعْتَذِرا بالالتفاتِ.{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (65)}.قوله: {اليوم نَخْتِمُ} {اليومَ} ظرفٌ لِما بعدَه. وقُرِئ: {يُخْتَمُ} مبنيًا للمفعول، والجارُّ بعدَه قائمٌ مقام فاعلِهِ.وقُرئ {تَتَكلَّمُ} بتاءَيْن مِنْ فوقُ. وقُرِئ: {ولْتَتَكَلَّمْ} {ولْتَشْهَدْ} بلامِ الأمرِ. وقرأ طلحةُ {ولِتُكَلِّمَنا} {ولِتَشهدَ} بلامِ كي ناصبةً للفعل، ومتعلَّقُها محذوفٌ أي: للتكلُّمِ وللشهادةِ خَتَمْنا. و{بما كانوا} أي: بالذي كانوا أو بكونِهِم كاسِبين.{وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (66)}.قوله: {فاستبقوا} عطفٌ على {لَطَمَسْنا} وهذا على سبيل الفَرَضِ والتقديرِ. وقرأ عيسى {فاسْتَبِقوا} أمرًا، وهو على إضمارِ القول أي: فيُقال لهم: اسْتَبِقَوا. و{الصِّراطَ} ظرفُ مكانٍ مختصٍ عند الجمهور؛ فلذلك تَأوَّلوا وصولَ الفعل إليه: إمَّا بأنَّه مفعولٌ به مجازًا، جعله مسبوقًا لا مسبوقًا إليه، وتَضَمَّنَ {اسْتَبَقُوا} معنى بادَرُوا، وإمَّا على حَذفِ الجارِّ أي: إلى الصِّراط. وقال الزمخشري: منصوب على الظرف، وهو ماشٍ على قولِ ابن الطَّراوة؛ فإن الصراط والطريق ونحوَهما ليسَتْ عنده مختصَّةً. إلاَّ أنَّ سيبويهِ: على أن قوله:
ضرورةٌ لنصبه الطريقَ.{وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا وَلَا يَرْجِعُونَ (67)}.وقرأ أبو بكر {مَكاناتِهم} جمعًا. وتَقَدَّم في الأنعام. والعامَّةُ على {مُضِيًَّا} بضم الميم، وهو مصدرٌ على فُعُوْل. أصلُه مُضُوْي فأُدْغِمَ وكُسِرَ ما قبل الياءِ لتصِحَّ نحو: لُقِيّا.وقرأ أبو حيوةَ- ورُوِيَتْ عن الكسائيِّ- بكسر الميم إتباعًا لحركة العين نحو {عِتِيًّا} و{صِلِيًَّا} وقُرئ بفتحها. وهو من المصادر التي وَرَدَتْ على فَعيل كالرَّسِيم والذَّمِيْل.{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (68)}.قوله: {نُنَكِّسْهُ} قرأ عاصمٌ وحمزةٌ بضم النون الأولى وفتحِ الثانيةِ وكسرِ الكافِ مشددةً مِنْ نَكَّسَه مبالغةً. والباقون بفتح الأولى وتسكين الثانيةِ وضمِّ الكافِ خفيفةً، مِنْ نَكَسَه، وهي محتملةٌ للمبالغة وعَدَمِها. وقد تقدَّمَ في الأنعام أنَّ نافعًا وابنَ ذكوان قرآ {تَعْقِلون} بالخطابِ والباقون بالغيبة.{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (69)}.قوله: {إِنْ هُوَ} أي: إنِ القرآن. دَلَّ عليه السِّياقُ أو إنِ العِلْمُ إلاَّ ذكرٌ، يَدُلُّ عليه: {وما عَلَّمْناه} والضمير في له للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم. وقيل: للقرآن.{لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ (70)}.قوله: {لِّيُنذِرَ} قرأ نافع وابن عامر هنا، في الأحقاف {لتنذرَ} خطابًا. والباقون بالغيبة بخلاف عن البزي في الأحقاف: والغيبة تحتمل أن يكون الضمير فيها للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم. وأن تكونَ للقرآن. وقرأ الجحدري واليماني {لِيُنْذِرَ} مبنيًا للمفعول. وأبو السَّمَّال واليمانيُّ أيضًا {لِيَنْذَرَ} بفتحِ الياءِ والذال، مِنْ نَذِر بكسر الدال أي: عَلِمَ، فتكون مَنْ فاعلًا.{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72)}.قوله: {رَكُوبُهُمْ} أي: مَرْكوبهم كالحَلُوب والحَصُور بمعنى المَفْعول وهو لا ينقاسُ. وقرأ أُبيٌّ وعائشة {رَكوبَتُهم} بالتاء. وقد عَدَّ بعضُهم دخولَ التاءِ على هذه الزِّنَةِ شاذًّا، وجعلهما الزمخشري: في قولِ بعضِهم جمعًا يعني اسمَ جمع، وإلاَّ فلم يَرِدْ في أبنيةِ التكسير هذه الزِّنَة. وقد عَدَّ ابنُ مالك أيضًا أبنيةَ أسماءِ الجموع، فلم يذكُرْ فيها فَعُولة. والحسن وأبو البرهسم والأعمش {رُكوبُهم} بضم الراء، ولابد من حذف مضاف: إمَّا من الأولِ، أي: فمِنْ منافعها رُكوبُهم، وإمَّا من الثاني، أي: ذو ركوبِهم. قال ابن خالويه: العربُ تقول: ناقَةٌ رَكُوْبٌ ورَكُوْبَةٌ، وحَلُوب وحَلُوْبَة، ورَكْباةٌ حَلْباةٌ، ورَكَبُوْتٌ حَلَبُوْت، ورَكَبى حَلَبى، ورَكَبُوْتا حَلَبُوْتا ورَكْبانَةٌ حَلْبانَة وأنشد: والمَشارِبُ: جمع مَشْرَب بالفتح مصدرًا أو مكانًا. والضمير في {لا يَسْتَطيعون} إمَّا للآلهةِ، وإمَّا لعابديها. وكذلك الضمائرُ بعده. وتقدَّم قرءاةُ {يَحْزُن} و{يُحزن}. وقرأ زيد بن علي {ونسي خالقَه} بزنةِ اسمِ الفاعل.{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)}.قوله: {وَهِيَ رَمِيمٌ} قيل: بمعنى فاعِل. وقيل: بمعنى مَفْعول، فعلى الأولِ عَدَمُ التاءِ غيرُ مَقيسٍ. وقال الزمخشري: الرَّميمُ اسمٌ لما بَلِيَ من العِظام غيرُ صفةٍ كالرِّمَّةِ والرُّفاتِ فلا يُقال: لِمَ لَمْ يُؤَنَّثْ وقد وقع خبرًا لمؤنث؟ ولا هو فعيل بمعنى فاعِل أو مفعول.{الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)}.قوله: {الأخضر} هذه قراءةُ العامَّةُ. وقُرِئ: {الخضراء} اعتبارًا بالمعنى. وقد تقدَّم أنه يجوزُ تذكيرُ اسمِ الجنسِ وتأنيثه. قال تعالى: {نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ} [القمر: 20] و{نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7] وقد تقدَّم أنَّ بني تميمٍ ونجدًا يُذَكِّرونه، والحجازَ يؤنِّثونه إلاَّ ألفاظًا اسْتُثْنِيَتْ.{أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81)}.قوله: {بِقَادِرٍ} هذه قراءةُ العامَّةِ، دخلتِ الباءُ زائدةً على اسم الفاعلِ. والجحدريُّ وابن أبي إسحاق والأعرج {يَقْدِرُ} فعلًا مضارعًا. والضميرُ في {مِثْلهم} قيل: عائدٌ على الناسِ؛ لأنهم هم المخاطبونَ. وقيل: على السماواتِ والأرض لتضمُّنِهم مَنْ يَعْقِلُ. و{بَلَى} جوابٌ ل {ليس} وإنْ دَخل عليها الاستفهامُ المصيِّرُ لها إيجابًا. والعامَّة على {الخَلاَّق} صيغةَ مبالغةٍ. والجحدري والحسن ومالك بن دينار {الخالق} اسمَ فاعِل. وتقدَّم الخلافُ في {فيكون} نصبًا ورفعًا وتوجيهُ ذلك في البقرة.{فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)}.وقرأ طلحة والأعمش {مَلَكَة} بزنةِ شجرَة. وقُرِئ: {مَمْلَكَةُ} بزنة مَفْعَلة وقُرِئ: {ملك}.والمَلَكُوْتُ أبلغُ الجميع. والعامَّةُ على {تُرْجَعون} مبنيًا للمفعول وزيدُ بن علي مبنيُّ للفاعلِ. اهـ.
|